المحامي .. لم يعد دعوجياً
المحامي عند بعض أفراد المجتمع هو حامل لواء العدالة يدافع عن المظلومين والضعفاء، متبرعا أو مأجورا يدفع عنهم كيد الكائدين وستر المتآمرين ليرد الحقوق المغتصبة إلى أصحابها.
وعند البعض الآخر من الناس فهو مجرد ثرثار أجير، الكلام صناعته والأكاذيب بضاعته يستوي عنده أن يدافع عن الحق أو الباطل.
والحقيقة هي وسط بين الرأيين، فالرسالة شريفة والمهنة نبيلة ولا يضيرها أن يكون بين أفرادها من يسيئون إليها وهم لا يسيئون إلا لأنفسهم.
فالمحاماة هي مهنة الدفاع عن الحق ووجودها أصبح واقعا في ظل عصر العولمة، حيث الحاجة أصبحت ملحة لمن يقدم العون القانوني للمحكمة بما يمكن القاضي من استبيان الحقيقة ومن ثم إصدار الحكم.
كما أن المحامي يقدم المشورة والنصح القانوني لأفراد المجتمع على كافة المستويات ويقوم بصياغة العقود والاتفاقيات وتوثيقها والمشاركة في إعداد مقترحات القوانين واللوائح التنظيمية لأجهزة الدولة.
وقد ظلت المملكة منذ عقود مضت تعج بالنشاطات التجارية والصناعية والزراعية والاجتماعية وغيرها من أحوال الحياة المختلفة بالنسبة للأشخاص الطبيعية والمعنوية ومع تطور أساليب هذه المناشط تطورت أيضا الأنظمة والقوانين وفقا للتطور التكنولوجي والتقني العالي في كافة أوجه الحياة المعاصرة، وقد تبع هذا التطور الهائل كثير من التعقيدات في علاقات العمل والتعامل مما حتم وجود نظام يساعد على التغلب على تلك التعقيدات ومعاونة الأجهزة القضائية الأخرى المنوط بها تطبيق النظام وأحكامه بما يحقق العدل.
ومع تطور وتعقد المعاملات والعلاقات ووسائل وأساليب الحياة تعقدت أيضا النزاعات وبرزت حاجة الأفراد والمؤسسات للاستعانة بمن لهم الدراية والمعرفة بوسائل الدفاع عن حقوق الغير وعرض أدلتهم أمام المحكمة، فهو لم يعد بالأمر السهل إذ لا يمكن للمتخاصمين العاديين القيام بذلك على الوجه المطلوب دون الاستعانة بالمتخصصين في هذا المجال، ومن هنا تبرز أهمية وجود المحامي من خلال تقديمه للقضية أمام المحكمة بصورة متكاملة وواضحة جلية تمكن القاضي من الإحاطة بالحقائق فيقضي في الدعوى التي أمامه مطمئنا دون أن يساوره شك.
إن تداخل المصالح وتنوع النزاعات قد أفرز تعقيدات صعبة نشأت بسبب التطور الهائل في وسائل العلم والمعرفة فتطورت تبعا لذلك وسائل وأساليب التعدي على الحقوق، حيث أصبح من اليسير سرقة أو إتلاف حقوق الآخرين دون أن يبرح الجاني مكانه، فضلا عن ذلك فإن الأنظمة والقوانين واللوائح والاتفاقيات الدولية في عصرنا هذا على كثرتها أصبحت في تطور وتغير مستمر، لا تتوفر أسباب الإحاطة بها إلا لخبير متخصص متفرغ للمتابعة والمدارسة المستمرة لهذا المجال الرحب وهو الشخص ذو العلم والثقافة والحس القانوني الرفيع المتولد من وجدان سليم والذي يمكنه من فهم النظام ومعرفة تطبيقاته بما يمكن من تقديم النصح والمشورة انتصارا للحق وترسيخا لمفاهيم العدالة السامية.
إن مهنة المحاماة هي من أعرق المهن في كثير من الدول والمجتمعات التي تمكنت من تطوير أجهزتها القضائية، حيث لم يعد المحامي هو ذلك الشخص غير المؤهل أو الدعوجي (كما يسمى لدى البعض) والذي يدافع عن حقوق الأفراد مقابل مصلحته الذاتية، بل أصبح المحامي له دور أكبر في الدفاع عن الحقوق العامة والحريات ومراقبة تطبيق الأحكام.
عبد الله بن صديق فلاته ــ مستشار قانوني