يوت الضوء والزجاج
فهد عامر الأحمدي
قرأت قبل أيام عن اختراع جميل قد يميز بيوت أبنائنا في المستقبل..
ففي قسم الكمبيوتر بجامعة فلوريدا نجح الخبراء في صنع جدران ضوئية معتمة ثلاثية الأبعاد . وهي جدران تعتمد على تقنية "الواقع الافتراضي" حيث تتجسد صورة أي جسم أو شكل في الهواء وكأنها موجودة بالفعل . وهي تنطلق من "بروجكتور" ليزري يمكن تثبيته في أي مكان في المنزل.. وهذه الأجهزة مبرمجة لصنع جدران وهمية من الضباب والضوء الملون لايمكن تمييزها عن الجدران الحقيقية (وان كان يمكن السير خلالها).. وبفضلها يمكن لربة البيت ان تضع جدارا هنا أو تزيل جدارا هناك بما يتناسب مع متطلبات الأسرة أو حاجة الأطفال أو عدد المعازيم !!
وقد تبدو الفكرة غير مناسبة لأول وهلة ولكن إن تأملناها بعمق نكتشف أننا لا نحتاج فعليا إلى حوائط مادية صلبة (باستثناء غرفة النوم) بل إلى مجرد حواجز بصرية معتمة ترسم حدود الأشياء.. فنحن في منازلنا لا نحتاج لتلمس الحوائط أو الاصطدام بالجدران لمعرفة حدود الغرف ومواقع الأبواب (وان اصطدمنا بها عرضا نسعى لعدم تكرار ذلك مستقبلا) .. وهذه الحقيقة هي ما يجعل المنازل الآسيوية (في اليابان وتايلند مثلا) تُبنى بالطوب من الخارج فقط في حين تقسم من الداخل بسواتر ورقية معتمة يمكن نقلها أو تحريكها حسب الحاجة . وفي المستقبل القريب يمكن بنفس الطريقة الاكتفاء ببناء الجدران الصلبة حول الدار (وبالطبع الحمامات وغرف النوم) وترك داخل المنزل مفتوحا نقسمه بجدران افتراضية توافق حاجاتنا المتغيرة !!
ولاحظ أيضا أن هذه التقنية (التي تسمح بخلق جدران مخادعة) تسمح أيضا بصنع أشكال اصطناعية ومناظر طبيعية لايمكن تمييزها عن الواقع . وهذا يعني إمكانية خلق منظر يطل على البحر ( او شلالات نياغارا او غابات الأمازون ) بدل الاكتفاء بجدار صلب قاس يصدم العين ويضيق الصدر ؛ فصور الواقع الافتراضي تقنية موجودة منذ فترة وتستعمل في عروض الليزر واستوديوهات هوليود (وتتجاوز إمكاناتها مجرد خلق حوائط معتمة) .. غير ان كلفتها الباهظة منعت انتشارها بين العامة واستغلال إمكاناتها العديدة .. أما حين يتوفر المال لشخص مثل بيل غيتس (أغنى رجل في العالم ومؤسس شركة مايكروسوفت) فيستطيع بواسطتها بناء منزل ساحر وفريد .. فحين بنى "أبو بيل" قصره الجديد على ضفاف بحيرة سياتل زوده بتقنيات متطورة وبرمجيات معقدة يصعب تكرارها. فبحكم خبرته البرمجية وثرائه الفاحش (وتوفر عباقرة الكمبيوتر فى شركته) طغى الكمبيوتر على كل شيء في منزل الاحلام . يكفي القول انه يضم اكثر من 100 حاسب آلي تتحكم تلقائيا بكل شؤون المنزل . كما يضم مجسات خاصة تشعر بقدوم الانسان فتضيء الانوار وتشغل الموسيقى وتفوح رائحة عطره المفضلة…
وهذا المنزل لايضم لوحات فنية عادية ؛ بل كشافات ليزرية مخفية تعطي كل مرة لوحة مختلفة ومناظر متحركة بالغة الروعة والجمال .. وحتى الجدران فيه تتغير ألوانها ودرجة حرارتها بما يتناسب مع ساعات النهار وفصول السنة . وبسبب حب العائلة لأسماك الزينة يخلق الكمبيوتر أحواضا مائية وبحيرات افتراضية في الاماكن المرغوبة تضم كل يوم أسماكا جديدة من مختلف انحاء العالم!!
مع ملاحظة أن الفكرة الأخيرة ليست جديدة تماما كونها تسببت في إرباك ملكة سبأ قبل 3 آلاف عام حين دخلت قصر سليمان فسارت على زجاج مصور فرفعت ثوبها تحسبه حوض ماء (فلما رأته حسبته لجة وكشفت عن ساقيها قال إنه صرح ممرد من قوارير)!!