رضا
خالد البسام يروى أن الخليفة العباسي «عبدالرحمن الثالث»، الذي حكم الأندلس من سنة 912 إلى سنة 961 أي لمدة خمسين سنة تقريبا، كان خلالها في قمة النجاح والسيطرة في حكم إمارته، قد جلس يوما بين أقرب الناس إليه ورغب في أن يذكر في لحظة صفاء مجموع أيام السعادة في حياته كلها فاكتشف أن هذه الأيام لاتزيد على أربعة عشر يوما.
والعجيب أن الأمير ذكر تلك الأيام يوما بيوم. وحدد المناسبات التي كانت سببا لسعادته. وتعجب المقربون من ذلك كثيرا وتعجب هو نفسه.
وعندما راح عبد الرحمن الثالث يستعرض محطات حياته وحكمه طوال خمسين سنة وجد ببساطة أنه رغم وجوده في قمة السلطة إلا أنه كان يعاني من القلق والهموم والتفكير في المشكلات والصعوبات، وكانت كلها تحرمه من النوم الهادئ في فراشه الناعم الوثير، ولم تعطه سوى أيام قليلة من السعادة !
ويقال إن حاكم الأندلس الشهير كتب عن ذلك يقول: «مضيت خمسين سنة منذ توليت الخلافة فتمتعت بما لايزيد عليه شيء من الثراء والمجد والنعم، فاحترمني الملوك وخافوني وحسدوني وحباني الله بأقصى ما يرغب فيه الإنسان، فأحصيت أيام السرور التي صنعت لي دون تكدير في هذه المدة الطويلة فكانت أربعة عشر يوما. فأعجب أيها العاقل لهذه الدنيا وعدم صفائها ونجلها بكمال الأحوال لأوليائها»..
وإذا كان هذا الخليفة العباسي قد تعجب من أحوال الدنيا بعد خمسين سنة من حكمه. فماذا نقول اليوم عن ملايين البشر الذين لم يتعجبوا وربما لن يتعجبوا على الإطلاق في حياتهم !.
لكن الأكيد الآن هو اختفاء الرضا من حياتنا. وإذا بقي منه فمن المؤكد أننا سنجده عند البسطاء والطيبين والمتواضعين الذين هم أكثر الناس استعدادا للرضا عن أنفسهم وعن حياتهم.
نفتقد الرضا اليوم لأن أغلبنا لايشبع وأكثرنا يطمع، ويريد ولايعطي، ويأخذ ولايقدم شيئا، بل إننا أحيانا لانرضى عن أنفسنا حتى ولو رضي الآخرون عنا.